الخميس، 7 مايو 2015

مرة أخرى...تدوين العلم...عند محمد عابد الجابري

مرة أخرى...تدوين العلم...عند محمد عابد الجابري
كتبه طارق الحمودي

سبق لي ان كتبت عن دعوى الجابري ان تدوين العلم عند المسلمين كان برعاية الدولة العباسية..وبينت ان هذا من الهوس في التفسير السياسي لكل حدث في التاريخ...وبينت ان التدوين كان ردا على انتشار الدخيل أصلا وفرعا...
وأرجع مرة إلى هذا لكن ...كرونولوجيا
- - - - -
نقل الجابري عن الذهبي عن طريق السيوطي في تاريخ الخلفاء قوله : "في سنة ثلاث وأربعين ومائة شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث و...."
ثم قال: "لقد حدد النص سنة 143 هـ كتاريخ لبداية التدوين في الإسلام...وحدد النص كذلك الأماكن والأمصار التي انطلقت فيها عملية التدوين تلك..وهي مكة والمدينة والشام والبصرة والكوفة واليمن...." ثم علق في الهامش : "يمكن أن نضيف مصر وخراسان"..
-- - - - -
أولى الملاحظات على هذا أن الذهبي لم يقل : وفي سنة ثلاث وأربعين..بل قال: وفي هذا العصر..ورغم أن الكلام وارد في سياق كلامه عن أحداث سنة 143 هـ فلم يكن المقصود ضبط العصر بتلك السنة, إنما قصد الذهبي ما هو أوسع منها مما يتضمنها وما قبلها...أي عصر التابعين..ودليل هذا أن الذهبي قال في آخر الطبقة الرابعة من تذكرة الحفاظ عند حديثه على عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء : "وقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف وحذوا من بدعهم وشرع الكبار في تدوين السنن وتأليف الفروع وتصنيف العربية ثم كثر ذلك في أيام الرشيد "وهذه الطبقة الرابعة فيها مكحول وقد توفي سنة 113 هـ وربيعة الرأي المتوفى سنة 136 هـ
- - - -
قد يقول قائل: وما معنى هذا؟
معنى هذا يظهر حينما تعرف أن بداية الدولة العباسي كان سنة 132هـ على حد قول الذهبي..أي أن بدايتها كانت قبيل انتهاء عصر هذه الطبقة ...قبيل وفاة ربيعة الرأي.بأربع سنوات... فقط....أمضتها في محاولة الاستقرار...
ويعني أن التدوين بدأ في عهد الدولة الأموية .........لا العباسية.....!!!
- - - -
وقد ارتكب الجابري خطأ تاريخيا كبيرا كعادته...وبنى عليه دعوى عريضة...وما بني على خطأ فهو خطأ...فالأسس التاريخية للجابري أسس مشكوك فيها ولابد...
- - - -
قد يتفلسف بعض غلاة التفسير السياسي...فيقول: إذن كان التدوين تحت رعاية الدولة الأموية...
وسيكون هذا عذرا أقبح من ذنب..لأن سياق اختيار الجابري بدء التدوين زمن العباسيين كان مسوغا باعتبار ان الدولة العباسية كانت تريد في زعمه بناء ثقافة مخترعة والقطيعة مع الثقافة القديمة التي كانت تجد فيها الشعوبية مصدرا من مصادر التشويش الفكري على الدولة..وكان الصراع خارجيا..اما الدولة الاموية فلم يكن الأمر كذلك بالنسبة لها... فلم تكن محتاجة إلى لك...سياسيا!
- - - - -
والملاحظة الثانية..أنه يبدو ان الجابري لم يكن يهمه الرجوع إلى المصادر..وكان ربما يكتفي بالنقل عن المراجع التي كانت بين يديه...ربما كسلا منه ..وهذا لا يتسامح فيه في حق امثال الجابري....لكنه حينما قال في الهامش: "يمكن أن نضيف مصر وخراسان" علمنا انه لم يرجع إلى تاريخ الإسلام للذهبي فإن فيه: "وصنف الليث بمصر وابن لهيعة..." وكلاهما مصريان...فلم يبق هناك حديث عن إمكانية إضافة مصر..بل عن وجوبها... لأن الذهبي ذكرها...!!
مرة أخرى ...يخطئ الجابري..خطأ كبيرا.

الأحد، 26 أبريل 2015

مغالطة جابرية..في حق ابن تيمية

مغالطة جابرية..في حق ابن يتيمة
لا يكاد ينقضي عجبي من طريقة الجابري في عرض مذاهب العلماء...طريقة تتحكم فيها ميولات أيديولوجية سافرة...
من ذلك طريقة استعراضه لابن تيمية السياسي...فقد ظهر على الجابري حدته وموقفه الذي لم يستطع إخفاءه , إذ كانت روائح المواقف الشخصية فائحة بشدة..ّ
- - - -
فبعد أن ذكر الجابري السياسة المدنية (العلمانية) قال :
"ويظهر أن الفقهاء لم يكونوا راضين عن هذا النوع من الحكم السياسية, باعتبار أن آداب الحكم والسياسة يجب أن يبحث عنها في الشريعة, وفيها  وحدها, ولعل هذا ما دفع ابن تيمية الفقيه الحنبلي المتشدد إلى تأليف كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية, الذي يراعي فيه الوجهة الشرعية والفقهية,ما يجب أن يكون عليه الحاكم والطرق التي يجب عليه  اتباعها للحفاظ على مملكته وكسبه ولاء رعيته"
- - - - 
فعلى كلامه ملاحظات:
- - - - 
أولاها أن الشريعة مجموع نصوص الوحي والاجتهاد المتضمن للقياس والاستحسان والمصلحة والمقاصد العامة والجزئية القائمة على مراعاة مصالح الناس ودفع المفاسد عنهم , وليس وراء هذا إلا الهوى, فإن كان يقصد الجابري بالشريعة ما ذكرته, وهو يعرف ذلك, فإنه إذن يستنكر على الفقهاء عدم أخذهم بالهوى العلماني مصدرا من مصادر السياسة !!!
- - - - - 
الثانية أنه لم يكن هناك داع من (تحلية) ابن تيمية بوصفه بالحنبلي, ولا وصفه بالمتشدد...لانها مصادرة...فغن الجابري يرى نفسه مرجعا في إحداثيات المخالفين له...فهو يراه متشددا , ومن قال بقول ابن تيمية سيرى الجابري متساهلا, فلا بد إذن من مرجع مطلق...وهو ما يزعم الجابري امتلاكه...!
- - - - 
الثالثة...أننا نقول في دارجتنا (الديب ما كيعاود غير علا فعايلو) أي أن الذئب إذا حكى عن غيره شيئا, فإنما يحكي ذلك عن نفسه, فحينما يزعم أن كتاب ابن تيمية قائم على تعريف الحاكم الطرق التي يجب عليه اتباعها للحفاظ على مملكته وكسب ولاء رعيته فإنه كان يستحضر حزبه وإخوانه في النضال, فكأنه أسقط ما يعرفه عنهم على ابن يتيمة, ظنا منه أن ابن تيمية كتب الكتاب على طريقة تفكير السياسيين في حزبه اليساري!!!
- - - - 
أما ابن تيمية فكان ينظر لطرق محافظة الحاكم على الأمانات التي استرعاه إياها الشعب, لا على ملكه!!! ولذلك جعل قوله تعالى : "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل..." أصلا لكتابه...فقال :"وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها, والحكم بالعدل, فهاذان جماع السياسة العادلة, والولاية الصالحة"...
- - - - 
ماذا أقول لك يا جابري...غفر الله لي ولك...وعند الله تجتمع الخصوم.
- - - -

الثلاثاء، 21 أبريل 2015

الجابري..في مضيق إعجاز القرآن

الجابري..في مضيق إعجاز القرآن
كتبه طارق الحمودي

من خلال قراءاتي للجابري اكتشفت رجلا مغامرا يحسب نفسه قادرا على سلوك كل مسلك
وقد لاحظته في مواضع يقحم نفسه في مضايقها فلا يسلم..
ومن ذلك تعرضع لقضية الإعجاز القرآني
حينما رايته يعنون لمغامرته هذه بـ(الإعجاز في القرآن) بادرني نوع من الشك والريبة فيما سيكتبه ...وقد خبرته من قبل ...فبدأت أقرأ ...اللهم سلم سلم...!

الأربعاء، 15 أبريل 2015

الجابري..وكفر (البيان)

حينما عرض الجابري لما ذكره ابن خلدون في خصوص ما كان قد تناوله العلماء قبله بالبحث في مسائل علم العمران بالعرض لا بالغرض, عرض ذلك محاولا التهوين من شأن المؤثرات البيانية (كما يسميها) في علم العمران , فالذي يعرف الجابري يعرف موقفه المعرفي من اللغة العربية وأصول الفقه,باعتبارهما علمين أصيلين , أي عليهما وبهما تبنى المسائل والقضايا لما يحتويانه من ترسانة كبيرة من القواعد الثقيلة ومضادات الزلل في الفهم ورادارات للكشف عن مواقع الاستدلال,ويعرف جيدا كيف يحاول الجابري أحيانا التهوين من شأنهما...أو غض الطرف عنهما إن لزم الأمر.
يلخص الجابري ما نبه عليه بن خلدون من أن علم العمران كان قد بحث في بعض نواحيه أو كله بكليات أو جزئيات بطريقة عرضية تبعا لعلوم أخرى, وأنه استنبط ذلك العلم باستقرائها وجمعها وإعادة صياغتها وترتيبها فيقول الجابري مستسلما لمصدرية بعض العلوم الشرعية لعلم العمران الخلدوني فيقول: "نعم هناك مسائل [تجري بالعرض لأهل العلوم في براهينهم, وهي من جنس مسائل علم العمران بالموضوع والطلب],من ذلك ما يرد في بعض أقوال الحكماء ما يذكر في بعض أبواب الفقه من أمور لها مساس بالشؤون الاجتماعية أو السياسية التي يبحث فيها هذا العلم الجديد" ...هكذا يلخص الجابري كلام ابن خلدون...وبدون أدنى حرج.
لننظر الآن إلى كلام ابن خلدون, ولنقارن لا بين النصوص بل بين المقاصد الواردة فيهما, يقول ابن خلدون:
هذا الفن الذي لاح لنا النظر فيه نجد منة مسائل تجري بالعرض لأهل العلوم في براهين علومهم و هي من جنس مسائله بالموضوع و الطلب مثل ما يذكره الحكماء و العلماء في إثبات النبوة من أن البشر متعاونون في وجودهم فيحتاجون فيه إلى الحاكم و الوازع و مثل ما يذكر في أصول الفقه في باب إثبات اللغات أن الناس محتاجون إلى العبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون و الاجتماع و تبيان العبارات أخف و مثل ما يذكره الفقهاء في تعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد في أن الزنا مخلط للأنساب مفسد للنوع و أن القتل أيضاً مفسد للنوع و أن الظلم مؤذن بخراب العمران المفضي لفساد النوع غير ذلك من سائر المقاصد الشرعية في الأحكام فإنها كلها مبنية على المحافظة على العمران فكان لها النظر فيما يعرض له و هو ظاهر من كلامنا هذا في هذه المسائل الممثلة و كذلك أيضاً يقع إلينا القليل من مسائله في كلمات متفقرقة لحكماء الخليقة"
فتضمن كلام ابن خلدون التنبيه على أن مسائل هذا العلم وردت في :
1- باب إثبات النبوات
2-أصول الفقه, باب إثبات اللغة
3- تعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد
4-كلمات متفرقات لحكماء الإنسانية
وهذا يبين أن الجابري أغفل ذكر "أصول الفقه, واللغة , باب إثبات النبوات, وتعليل الأحكام الشرعية بالمقاصد" التي عبر عنها الجابري بـ "ما يذكر في بعض أبواب الفقه من أمور لها مساس بالشؤون الاجتماعية أو السياسية", محاولا تقزيم الطويل, وتهوين الخطير,فالأمور التي لم يسمها الجابري لغرض ما...لم تكن سوى تعليل الأحكام بالمقاصد, وهذه ليست مسائل وأمورا كما سماها الجابري بل أصولا كبرى وكليات.
وقد يسأل سائل : ولم يفعل الجابري ذلك؟
والجواب في نظري أنه كان يريد أن يبعد علم العمران الخلدوني ما أمكنه عن النظام المعرفي البياني (الإسلامي) , وأن يخلصه من قواعده وأصوله, حتى يصير علما خارجا عن التراث الإسلامي...!
لو انتبهنا إلى عبارة ابن خلدون "لأهل العلوم في براهينهم" ثم رأيته يذكر باب النبوات وباب إثبات اللغة وباب المقاصد الشرعية, لانتبهت كما حصل للجابري ولابد أن الكلام كله يوحي بأن ابن خلدون كان يرى كل هذه العلوم (البيانية) من قبيل (براهين العلوم)...وهذا أمر لا بد أنه أزعج الجابري , وشوش على تقسيمه المعروف..فآثر إعادة ترتيب كلام ابن خلدون بطريقة أسلم بالنسبة له, لكن ..مع شيء من البتر والحذف و..تغطية وكفر (أصول البيان الإسلامي).

نشر


الخميس، 9 أبريل 2015

الجابري..وإشكالية النشأتين-بين أصول الشافعي..والمنطق الأرسطي

الجابري..وإشكالية النشأتين
بين أصول الشافعي..والمنطق الأرسطي

إن القارئ للجابري..قراءة شمولية...يقرأ أوله دون إغفال آخره ينكشف له خرم منهجي بالغ الظهور عند الملاحظة المتوسطة, ومن ذلك أن الجابري عرض أصول الفقه على أنه صناعة سياسية عباسية, مغفلا أو غافلا عن العمق التاريخي لعلم الأصول في تصرفات العلماء قبله...وإني لأستغرب كيف لم يستحضر الجابري أن أصول الفقه التي كتبها الشافعي إن هي إلا صورة لمادة أقدم كانت موجودة في فقه أهل العلم...إلى زمن الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم..وبالنظر إلى مصادرها...لا يتردد الباحث في الجزم بأن مادة الأصول أقدم من صورة الأصول الشافعية.
أما حينما يتحدث الجابري عن أرسطو ومنطقه فإنه يعرضه بالطريقة التي كان ينبغي أن يسلكها في حديثه عن الشافعي وأصوله فإنه قال "إن هذا لا يعني أن أرسطو كان المنشئ له من العدم, كلا,إن تاريخ البرهان كنظام معرفي يبدأ مع بداية الفلسفة والتفكير العلمي في اليونان قبل أرسطو بثلاثة قرون, ولم يكن عمل أرسطو في الحقيقة سوى تتويج لعملية تطور طويلة ومنعجرة"
سأعيد كتابة نفس الكلام مع بعض التغييرات ..ولاحظوا النتيجة:
"إن هذا لا يعني أن الشافعي كان المنشئ له من العدم, كلا,إن تاريخ أصول الفقه كنظام معرفي يبدأ مع بداية الفقه والتفكير العلمي في الإسلام قبل الشافعي بأكثر من قرن ونصف , ولم يكن عمل الشافعي في الحقيقة سوى تتويج لعملية تطور ".
لو كان قالها الجابري ...
ولا يكفي التلويح !!
لكن للأسف....
رحم الله الجابري.

نشر

الاثنين، 6 أبريل 2015

الجابري..والخرافتان (أمر معاوية بلعن علي, وقتله لحجر بن عدي لامتناعه عن ذلك)!

 الجابري..والخرافتان
 (أمر معاوية بلعن علي, وقتله لحجر بن عدي لامتناعه عن ذلك)!
 نبه عليه طارق الحمودي
- - - - حينما نصح علماؤنا بالكف عن الخوض فيما كان بين الصحابة من خلاف, لم يكن قصدهم التستر على شيء, بل كان منعا موضوعيا مغلفا بشفقة ورحمة, فالخائض في مثل هذه الأمور يحتاج إلى علم (منهج في قبول ورد الأخبار,منهج في قراء التاريخ) وعدل (بالنظر إلى الحسنة والسيئة  والترجيح بينهما), وقد كان ممن لم يأخذوا بالنصيحة, أن تكلموا في ذلك , بجهل , أوب ظلم, أوب هما معا, وهو الأقبح.
- - - -
لقد نال معاوية بن أبي سفيان الحظ الأكبر من الظلم ممن يحسبون على السنة, بله الشيعة بفرقهم كلها,وكان ممن تورط في ذلك الأستاذ الجابري.
لو كان غير الجابري لكان الأمر أهون, لكن خوض الجابري في هذه المساحة من التاريخ له أيبابه ودوافعه...الأيديولوجية...والسياسية.
- - - -
يذكر الجابري كغيره أن معاوية أمر بلعن علي ( كما في المثقفون) , وأنه كان يرهب من يخالفه في ذلك, بل إنه قتل حجر بن عدي ومن معه لأنهم امتنعوا عن لعن علي فزعم الجابري أن معاوية أمر بـ : "ذم علي بن أبي طالب ولعنه وتجريمه "..وزعم في خصوص حجر بن عدي وأصحابه أنهم :"لما وصلوا إلى دمشق طلب منهم التراجع عن موقفهم, ولعن علي والترحم على عثمان, ومارس عليهم صنوفا من الإرهاب والتعذيب, فتراجع من تراجع منهم, وصمد حجر بن عدي في سبعة من أصحابه, فأمر معاوية بقتلهم فقتلوا"
وأصفق للجابري لهذه القدرة على الإخراج ...حتى أن من يقرأ هذا سيصيح في غضب..."لعنة الله على معاوية"...ولكن...!
خرافة أمر معاوية بلعن علي من روايات أبي مخنف وهو رافضي  متكلم فيه من جهة عدالته...وكان يجب على الجابري وجوبا منهجيا أن يكون على حذر من الروايات المؤدلجة والمسيسة...ولعله لا يعرف أنها من روايته...فلم يكن الجابري محدثا أو مؤرخا محققا.
- - - -
 لم يكن سبب قتل معاوية لحجر بن عدي لأجل امتناعه من لعن علي إذن,كما زعم الجابري وغيره, وإن كان الجابري آثم لأنه معدود من البالحثين , بل لأمر آخر ..
فبعد تنازل السيد الحسن بن علي رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه عن الحكم اجتمع الناس على أمير واحد, وسمي عام التنازل عام الجماعة, واطمأن الناس إلى الاستقرار لحفظ الدماء والأموال والأعراض, على أمنها القويم كما يقال اليوم, وبلغت الرسالة إلى الدول الاكافرة المجاورة المترقبة لفرصة مناسبة ,وكان حجر بن عدي معارضا لتنازل الحسن قبل التنازل ...وبعده..وكان بذلك يسعى قاصدا أو غير قاصد علنا لإثارة خلاف وقى الله المسلمين شره بتنازل الحسن الإمام العاقل الذي آثر المصلحة العامة على حقه.
 - - - -
لم يكن من معاوية أما هذا إلا أن عرض أمر حجر بن عدي وأمر أصحابه على الكبار من العقلاء والحكماء كعمرو بن الأسود العنسي المخضرم وأبي مسلم الخولاني الذي لم تحرقه نار الأسود العنسي وعبد الله بن أسد القسري, ولكنهم خيروه بين العقوبة والعفو, لكن معاوية اختار العقوبة (1)..بل أشدها وهي القتل جريا على قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : "من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع, فاضربواه بالسيف كائنا من كان" ومثله  عنده أيضا قوله : "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم, أو يفرق جماعتكم فاقتلوه"وله شواهد...وكان له في السجن أو قريب منه مندوحة عن القتل, لكنه قتله, وأنكرت عليه عائشة ذلك, وأبدى ندمه بعدها.
- - - -
ودون الخوض في التفاصيل...أقول: رحم الله الجابري..فقد قضى بغير مقتضى العلم والعدل في حق معاوية بن أبي سفيان..ومن كان معه من حكماء المسلمين..., وقاضيان في النار ...وقاض في الجنة.
- - - - (1) رواها صالح بن أحمد في (مسائل أحمد/2/328إلى 330) بإسناد حسن, تحت عنوان (قتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه)

الأحد، 5 أبريل 2015

نظرية الجابري..في مناقضة ابن خلدون لابن خلدون

نظرية الجابري..في مناقضة ابن خلدون لابن خلدون
كتبه طارق الحمودي

مما استمتعت بقراءته للأستاذ محمد عابد الجابري كتابه (فكر ابن خلدون, العصبية والدولة), وقد رأيت فيه محاولة طيبة لقراءة مشروع ابن خلدون ورده إلى أصوله, مع ملاحظات كثيرة عليه, وكان مما أثار انتباهي زعم الجابري وجود تناقض بين (ابن خلدون الكهل صاحب المقدمة) الذي انتقد الفلسفة ( وابن خلدون الشاب صاحب لباب المحصل) الذي امتدحها!
- - - -
فنقل عنه من المقدمة ما يدل على أنه كان يرى أن (ضررها في الدين كثير) ثم نقل عنه ما يقتضي عكس ذلك من كتابه اللباب فقال: "لنستمع إليه وهو يتحدث عن الفلسفة وعلومها, في مقدمة كتاب اللباب, فيقول: ((...وبعد فإن العلوم كثيرة, والمعارف جمة غزيرة, وأشرفها العلم الإلهي الذي فاز عالمه بالسعادة, وأعدت له الحسنى وزيادة, تفتقر العلوم إليه, ولا يفتقر إليها, وتعول في مقدماتها عليه, ولا يعول عليها))".
- - - -
هكذا صور الجابري ابن خلدون صاحب اللباب, وهكذا جعل قصده من كلمة (العلم الإلاهي) ...الفلسفة...ولست أعرف ما الذي حصل للجابري وهو يكتب ما كتب...
- - - -
وأول ما ينبغي التنبيه عليه أن اللباب اختصار لكتاب المحصل للفخر الرازي...(1), في علم الكلام لا الفلسفة...وهو سياق يبين قصد ابن خلدون من ((العلم الإلاهي))..والكتاب عرض لمذاهب الناس في الإلاهيات والنبوات والسمعيات والإمامة وبعض المباحث المتعلقة بنظرية المعرفة,وهي مباحث تخص الدرس الكلامي... وفيه يبدي خلافا للفلاسفة فيقول أحيانا (خلافا للفلاسفة) وقد يسمي بعضهم كأفلاطون وأرسطو وابن سينا ..بل يصرح أحيانا بعلة خلافهم بقوله : "مبني على فاسد أصولهم".
- - - - -
أتساءل:
كيف فهم الجابري أن ابن خلدون صاحب اللباب..كان يمدح الفلسفة..؟
هل كان الجابري لا يفرق بين علم الفلسفة وعلم الكلام..؟أشك في هذا كثيرا..فليس الجابري من يقع منه ذلك.
هل كان يعرف ذلك...ولم ينتبه لخطئه...اقتصارا منه على قراءة (مقدمة ) الكتاب دون (نهايته) ؟
أم أن ميله لتقديم الفلسفة على غيرها جعله يتوهم ما توهمه..؟
- - - -
أمثال هذه الأمور لا يمكن تجاوزها ..فإنها من مؤسسات قراءته لابن خلدون...وفساد المقدمات مؤذن بفساد النتائج...
وأنبه إلى أن اشتغالي ببيان أخطاء الجابري رحمه الله إنما هو استرشاد...كما قال هو نفسه : "أما إذا كنا قد جانبنا الصواب في بعض المسائل فلعل أخطاءنا ترشد من يأتي بعدنا"...وقد أخطأ الجابري...رحمه الله!
 - - - - -
(1) مع إضافات من كلام نصير الدين الطوسي في كتابه (تلخيص المحصل) وهو نقد للكتاب وهو مطبوع.